You are currently viewing الدار البيضاء – مدينة لا تنام على أنغام المحيط
الدار البيضاء

الدار البيضاء – مدينة لا تنام على أنغام المحيط

الدار البيضاء، المعروفة بلؤلؤة المغرب، تقف كرمز للتطور والحداثة داخل قارة أفريقيا. تمتد على مساحات شاسعة من الأرض المغربية على الساحل الأطلسي، وهي تعكس مزيجا فريدا من العراقة والتحديث الذي لا مثيل له في العالم العربي. تعد الدار البيضاء مركزا اقتصاديا وتجاريا، حيث تجسد النمو السريع والتوسع العمراني الذي يواكب العولمة بكل جدارة.

التسمية والتاريخ

أصل اسم الدار البيضاء وتطوره

تستند التفسيرات السائدة حول أصل مدينة الدار البيضاء إلى رواية شائعة بين المؤرخين الذين تناولوا هذا الموضوع منذ مطلع القرن العشرين. من بين هؤلاء، الرحالة الدبلوماسيون وعلماء الاجتماع، الذين أسهموا في تكوين صورة ثقافية واسعة عن المدينة.

تظهر هذه الرواية أن تسمية “الدار البيضاء” هي في الأصل ترجمة حرفية لكلمة “Casablanca”، التي استخدمها البحارة البرتغاليون خلال القرن الخامِس عشر للدلالة على المدينة. ترتبط هذه التسمية بوجود منزل بلون أبيض كان يُستخدم كعلامة ملاحية لتحديد موقع المدينة.

الرواية تضيف بأن تاريخ المدينة مرتبط ارتباطا وثيقا بالمرور التاريخي للموحدين الذين خلفوا المرابطين في الحكم. بالإضافة إلى ذلك، هناك شهادات من الإخباريين البرتغاليين الذين كتبوا “أنفي” بدلاً من “أنفا”، مما يبين قلة إلمام البرتغاليين بالتسمية الأصلية للمدينة عند نزولهم إلى الساحل الأطلسي المغربي منذ القرن الخَامس عشر.

في اللغة العربية، يستخدم مصطلح “البيضاء” للدلالة على اللون الأبيض، مما يعزز الصلة بين أنفا واللون الأبيض في التسمية. تدعم المعطيات اللغوية هذه العلاقة من خلال تقديم قراءات مختلفة لكلمة “أنفا” مثل “أنافا”، “أمافا”، “أمفا”، “أنفى” و”أنفي”. وفقا لـ E. Laoust، فإن “آنفا” هي أصل كلمة “أفا”، وهو يختم تحليله بأن مصطلح “أنفا” يحيل على فكرة التل أو القمة، مما يشير إلى أن الموقع الحالي للمدينة كان يعرف بالحي السكني “آنفا”.

يجمع العديد من الباحثين المعاصرين على أن الحي السكني “آنفا” الحالي، الذي تأسس في عام 1940، ليس له أية علاقة تاريخية بالموقع الأصلي للمدينة. من الجدير بالذكر أن دخول الإسلام إلى بلاد المغرب كان له دور في تشكيل التركيبة الديموغرافية للمنطقة، خاصة بسبب الصراعات المذهبية التي أثرت على سكّان السواحل الأطلنطية.

عندما وصل البرتغاليون إلى ساحل أنفا، وجدوا تسميات أمازيغية لهذه المدينة، واستخدم هؤلاء الإخباريون مصطلح “أنفا”. عند ترجمته إلى البرتغالية أصبح “أنفي”، مما يؤكد الاستخدام المتداول لمصطلح “كازابلانكا” للدلالة على المدينة. بالإضافة إلى كلمة “أنفا”، هناك تسمية أخرى وهي “تادارت”، وهو اسم أمازيغي يعني الدار أو البيت أو المسكن، والمرجح أن يكون هذا هو الاسم الأول للمدينة في بداياتها.

التاريخ المبكر وحكم المملكة بورغواطة

في عمق تاريخ المغرب، يظهر تأسيس الدار البيضاء (أنفا) كحدث بارز يعود إلى العام 768 م، حيث قام أمازيغ مملكة بورغواطة بتأسيس المدينة. تعتبر هذه المرحلة من العصور التي شهدت تغييرات مهمة في بنية المجتمع المغربي، خصوصا بمنطقة تامسنا حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن الزيانيين، الذين انتقلوا فيما بعد إلى تامسنا وتادلة، قد قاموا بدور مؤثر في تأسيس آنفا.

وفقا للتواريخ المدونة بيد الزياني الذي ولد في سنة 1734، يعتقد أن الأمازيغ هم من أسسوا المدينة. يظهر من خلال الروايات التاريخية أن الزيانيين، بعد هجرتهم إلى منطقتي تامسنا وتادلة، لعبوا دورا حاسما في تأسيس انفا ومدينة داي في تادلة.

تظهر هذه المرحلة من تاريخ المغرب كيف تم توطين المناطق وتأسيس مستوطنات بمبادرة من الأمازيغ، مما يدل على عمق الروابط التي كانت تجمع بين المجموعات الأمازيغية والأرض.

يُعد حكم مملكة بورغواطة مثالا بارزا على الإدارة الذاتية والاستقلال الذي حرص الأمازيغ على تعزيزه في تلك الفترات. كانت أنفا، وفقا للسجلات القديمة، مركزا تجاريا مهما يستقطب التجار والمستكشفين من مختلف الأنحاء، مما أسهم في نموها الاقتصادي والاجتماعي على مر العصور.

الفترة الاستعمارية والعهد الفرنسي

في بدايات القرن العشرين، أسست اتفاقية الجزيرة الخضراء الموقعة في عام 1906 الأساس للتواجد الفرنسي في المغرب، مانحة فرنسا الأولوية على الدول الأوروبية الأخرى. جاءت هذه الاتفاقية لتؤثر على الدار البيضاء بشكل مباشر من خلال ثلاثة بنود رئيسية: سيطرة الضباط الفرنسيين على دار الجمارك والاستحواذ على الردود كضمان رهني للقروض الممنوحة من قبل فرنسا، إضافة إلى مسؤولية الشركة المغربية عن تطوير ميناء الدار البيضاء، وتجهيز قوة شرطة فرنسية وإسبانية لمراقبة الميناء.

في أبريل 1907، بدأت الأشغال التمهيدية لبناء الميناء، والتي تضمنت مد خط حديدي عبر مقبرة سيدي بليوط، مما أثار حفيظة السكان المحليين وأدى إلى توترات شديدة وعصيان قاده الحاج حمو. في يوليو من نفس العام، قتل تسعة عمال أوروبيون يعملون في الأشغال، مما دفع الفرنسيين إلى قصف الدار البيضاء في الفترة ما بين 5-7 أغسطس وإنزال 200 ألف جندي بالمدينة، مما شكل نقطة بداية الغزو الفرنسي للمغرب.

بعد فرض الحماية في مارس 1912، استمرت أعمال بناء الميناء تحت إشراف المقيم العام الجنرال ليوطي، مما مهد الطريق لتحول الدار البيضاء إلى أكبر مركَز حضري في المغرب. كلف المهندس المدني هنري بروست بتخطيط المدينة التي توسعت كعاصمة استعمارية.

بنيت مَدينة أوروبية جديدة بجانب المدينة القديمَة التي أسسها محمد الثالث بن عبد الله في القرن الثامن عشر، وتسمى الآن بـ “ville nouvelle”. ساحة فرنسا السابقة، والمعروفة اليوم بساحة الأمم المتحدة، أصبحت محورا مهما في العمران الجديد.

كان اختيار الدار البيضاء لاحتضان أكبر مينَاء في المغرب مدروسا بعناية، إذ ارتبط اختيارها بموقعها الاستراتيجي في قلب المناطق الفلاحية الغنية وسهولة توصيل الشبكات الطرقية والسكك الحديدية اللازمة لنقل المنتجات مثل الحبوب والحوامض والفوسفات من مناجم خريبكة.

بفضل هذه التطورات، أصبحت الدار البيضاء مركز ا للتجارة والصناعة، حيث تم توفير الحاجات الضرورية للمعمرين من خلال صناعات استهلاكية مثل النسيج والغذاء وبعض الصناعات الكيماوية الخفيفة.

خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت المدينة نقلة نوعية مع استقرار بعض رؤوس الأموال اَلفرنسية التي غادرت فرنسا وأقامت صناعات كيماوية وميكانيكية في الدار البيضاء، لكنها استمرت في لعب دور الوسيط الاقتصادي، وهو ما أكده استمرار هيمنة البنوك والمؤسسات المالية على النشاط الاقتصادي الرئيسي في المدينة.

الدار البيضاء خلال الحرب العالمية الثانية وأهمية مؤتمر آنفا

خلال الحرب العالمية الثانية، شهدت الدار البيضاء تحولات هامة استجابة للتحديات العالمية والإقليمية. في عام 1940، وقع فيليب بيتان من فرنسا اتفاقية الهدنة مع النازيين، مما دفع الكتائب الفرنسية في الإمبراطورية الاستعمارية الفرَنسية إلى الدفاع عن أراضي فرنسا ضد أي قوة معتدية، وذلك تحت سياسة الحياد المائلة لصالح الألمان. هذا الوضع خلق توترات داخلية في المغرب، حيث كان المستعمرون الفرنسيون يدعمون بيتان بشكل عام، بينما كان المغاربة الواعون سياسيا يميلون إلى دعم ديغول والحلفاء.

في 8 نوفمبر 1942، شنت عملية الشعلة، وهي غزو بريطاني-أمريكي على الأراضي الفرنسية في شمال إفريقيا، ضمن حملة شمال إفريقيا في الحرب العالمية الثانية.

اشتركت في هذه العملية قوات أمريكية تحت قيادة الجنرال جورج باتون وأمير البحر هنري كينت هيويت، حيث استهدفوا الموانئ المغربية، بما في ذلك المهدية وفضالة وآسفي. استسلمت القوات الفَرنسية الفيشية في الدار البيضاء في 11 نوفمبر 1942، وبهذا تمكنت القوات الأمريكية من السيطرة على المدينة.

تحولت الدار البيضاء بعد ذلك إلى نقطة استراتيجية هامة في الحملة الأمريكية، حيث أنشئت قاعدة النواصر الجوية، والتي استخدمت كقاعدة جوية أمريكية لتجهيز الطائرات المشاركة في الجبهة الأوروبية. فيما بعد، تحول هذا الميناء الجوي إلى ما يعرف الآن بـ”مطار محمد الخامس” الدولي.

في يناير 1943، شهدت الدار البيضاء انعقاد مؤتمر آنفا، الذي حضره كل من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت لمناقشة مجريات الحرب. كما حضر المؤتمر الجنرال شارل ديغول وهنري جيغو من فرنسا الحرة، وإن لم يشاركا في التخطيط العسكري المباشر. نتج عن المؤتمر تبني الحلفاء لسياسة الاستسلام غير المشروط، مؤكدين على ضرورة القتال حتى هزيمة قوات المحور.

خلال المؤتمر، التقى روزفلت بالسلطان محمد الخَامس بشكل خاص، حيث أعرب عن دعمه لاستقلال المغرب عقب نهاية الحرب، مما جعل هذا اللقاء نقطة تحول في القضية الاستقلالية المغربية وألهم الوطنيين المغاربة للمطالبة علنا باستقلال تام.

الجغرافيا والبيئة

الموقع الجغرافي والتقسيمات الإدارية

تَقع مدينة الدّار البيضاء في قلب جهة الدار البيضاء الكبرى، وتمثل نقطة محورية ضمن المجال الجغرافي للشاوية السفلى. تحيط بها من الشمال هضبة بلاد زعير ومن الجنوب تمتد الشاوية، بينما يحدها من الشمال الغربي المحيط الأطلسِي ومن الشرق هضبة بن سليمان.

وفقا للإحداثيات الجغرافية، تستقر الدار البيضاء بين خطي طول 7°30 و7°45 غرب خط غرينتش، وخطي عرض 33°30 و33°45 شمال خط الاستواء. موقعها الساحلي المتميز، ووقوعها وسط خط الإنتاج الصناعي بين القنيطرة شمالا والجرف الأصفر جنوبا، يمنحها مكانة استراتيجية بارزة على الصعيد الاقتصادي، مميزة إياها عن باقي المدن المغربية.

تعتبر الدار البيضاء عاصمة لعمالة الدار البيضاء، وهي تنقسم إلى ثماني عمالات مقاطعات تشمل:

  • عمالة مقاطعات الدار البيضاء انفا
  • عمالة مقاطعات سيدي البرنوصي
  • عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان
  • عمالة مقاطعة الحي الحسني
  • عمالة مقاطعات مولاي رشيد
  • عمالة مقاطعات عين السبع الحي المحمدي
  • عمالة مقاطعة عين الشق
  • عمالة مقاطعات ابن امسيك

كما تنقسم هذه العمالات إلى ستة عشر مقاطعة تتضمن:

  • مقاطعة أنفا
  • مقاطعة سيدي بليوط
  • مقاطعة المعاريف
  • مقاطعة سيدي البرنوصي
  • مقاطعة سيدي مومن
  • مقاطعة عين السبع
  • مقاطعة الحي المحمدي
  • مقاطعة الفداء
  • مقاطعة مرس السلطان
  • مقاطعة الصخور السوداء
  • مقاطعة الحي الحسني
  • مقاطعة عين الشق
  • مقاطعة ابن امسيك
  • مقاطعة سباتة
  • مقاطعة مولاي رشيد
  • مقاطعة سيدي عثمان

تعد هذه التقسيمات الإدارية لبنة أساسية في تنظيم الإدارة المحلية والتخطيط العمراني للمدينة، مما يسهل توزيع الخدمات والموارد بشكل فعال ويعزز من كفاءة الإدارة العامة.

الطوبوغرافيا والمناخ

الطوبوغرافيا

مَدينة الدار البيضاء تستقر على الهضاب الساحلية الشمالية، وتظهر البيانات الطوبوغرافية أن الارتفاعات تتباين بين أعلى نقطة تصل إلى 167 مترا في الجنوب الشرقي وأدنى نقطة عند 5 أمتار فوق مستوى سطح البحر قرب الساحل في الشمال الشرقي.

يعبر الميلان الطوبوغرافي عن انحدارات تتجه بشكل عام من الداخل نحو الساحل، ويكون الارتفاع متدرجا من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي. هذا التوزيع يشير إلى تموج الأرض حيث تكون المنطقة عبارة عن كثبان ومنحدرات تتجه نحو الجنوب، الغرب، والشمال الغربي، ثم الجنوب الغربي. الطبيعة التموجية للدار البيضاء هي نتاج لعمليات الغمر والتراجع التي خلفت مستويات رسوبية متنوعة.

المناخ

يتميز مناخ الدار البيضاء بالاعتدال، حيث يبلغ معدل الحرارة السنوي حوالي 18 درجة مئوية، ويصل المعدل السنوي للتساقطات الهطولية إلى 433.6 ملم. وبفضل موقعها المطل على  الـ”ساحل المحيط الأطلسي”، تتأثر الدار البيضاء بشكل كبير بالعوامل البحرية.

يتراوح تأثير هذه العوامل حتى عمق يصل إلى 60 كيلومترا داخل اليابسة، حيث يلعب الرطوبة والرياح دورا محوريا في تلطيف درجات الحرارة خلال فصل الصيف والحفاظ على اعتدالها خلال فصل الشتاء.

الجيولوجيا والمناظر الطبيعية

الجيولوجيا

الدار البيضاء، المنتمية إلى المسيطر الساحلية، تتميز بتكوينها الجيولوجي الغني والمتنوع، حيث تَقع على صخور رسوبية شستية حثية وكواتزية تشكل القاعدة اَلقديمة للمدينة. هذه الصخور تعود إلى العصرين الكمبري والأوردوفيسي، مما يعكس تاريخا جيولوجيا عريقا وتطورات معقدة على مدى ملايين السنين.

فوق هذه القاعدة الصخرية القديمة، تكسو تكوينات جيولوجية حديثة تتألف بشكل رئيسي من الكلس والتوضعات الطميية. هذه التوضعات الطميية تظهر بألوانها الرملية الحمراء أو الرمادية الطينية الداكنة والمعروفة باسم “التيرس”، وتتركز بشكل خاص في الغرب على طول واد بوسكورة وعلى الشريط الساحلي للمدينة.

المناظر الطبيعية

تعد الدار البيضاء مدينة ذات مناظر طبيعية خلابة، حيث تجمع بين الساحل الأطلسي الممتد والهضاب الداخلية الغنية بالتنوع البيولوجي والجيولوجي. الشريط الساحلي، بشواطئه الرملية والصخرية، يوفر مشاهد طبيعية مذهلة ويعد محطة جذب سياحي هامة.

إلى جانب ذلك، توفر الهضاب الداخلية، بتنوعها الطبيعي والجيولوجي، فرصا للدراسات العلمية والاكتشافات الجيولوجية التي تشير إلى العمليات التاريخية التي شكلت المنطقة.

تُعتبر هذه المزيج من الجيولوجيا المعقدة والمناظر الطبيعية الجذابة عوامل رئيسية تسهم في القيمة البيئية والجمالية للدار البيضاء، مما يجعلها مدينَة فريدة من نوعها تجذب السياح والباحثين على حد سواء.

الديموغرافيا والمجتمع

الخصائص السكانية والتنوع الثقافي

الديموغرافيا

منذ العام 1900 وحتى اليوم، شهدت الدار البيضاء تحولا ديموغرافيا كبيرا. في بداية القرن العشرين ، لم يتجاوز عدد سكّان المدينة 20,000 نسمة، لكن هذا العدد نما بشكل ملحوظ ليصل اليوم إلى 3,359,818 نسمة، مما يجعلها واحدة من أكبر المدن الأفريقية والعربية من حيث الكثافة السكانية.

تظهر الإحصائيات أن 98% من السكان يعيشون في المناطق الحضرية، مع توزيع عمري يشير إلى أن حوالي 25% من السكان تقل أعمارهم عن 15 سنة، بينما يزيد عمر 9% منهم عن 60 سنة. تشكل هذه النسبة المعتبرة من السكان حوالي 11% من مجموع سكان المغرب ، مما يعكس أهمية الدار البيضاء كمركز حضري وديموغرافي رئيسي في البلاد.

التنوع الثقافي

خلال فترة الحماية الفرنسية، شكل الأقدام السوداء، وهم المسيحيون ذوو الأصول الأوروبية، نحو نصف عدد سكان الدار البيضاء. في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، كانت المدينة مركزا لأعمال الشغب المعادية لفرنسا، بما في ذلك هجوم بالقنابل في عيد الميلاد عام 1953، الذي خلف عددا من الضحايا. بعد استقلال المغرب، انخفض عدد الأوروبيين في المدينة بشكل ملحوظ.

في الدار البيضاء يعيش أيضا مجتمع يهودي تاريخي من السفارديم، الذي يُقدر عددهم بين 3,000 و4,000 نَسمة. وفي عام 2015، قدر المؤتمر اليهودي العالمي عدد اليهود في طنجة بنحو ألف شخص، مما يشير إلى التنوع الديني والثقافي المستمر في المدن المغربية الكُبرى. هذا التنوع الثقافي يغني النسيج الاجتماعي للدار البيضاء، مما يجعلها نموذجا للتعايش الثقافي والديني في المنطقة.

السياحة والمعالم

أهمية السياحة في الدار البيضاء

تعتبَر مَدينة الدار البيضاء واحدة من أبرز المُدن في المملكة المغربية، وتمثل وجهة حضرية حديثة ومتألقة تطل على المُحيط الأطلسي. تبرز الدار البيضاء كنقطة التقاء بين التراث الثقافي الغني والتطور العمراني الحديث، مما يمنحها مكانة خاصة في قلب المغرب. تجمع المدينة بين المعالم التاريخية الجذابة والبنى التحتية المعاصرة، مع تنوعها الاقتصادي والاجتماعي، الذي يحولها إلى أحد اكبر المراكز الِاقتصادية في البلاد.

توفر الدار البيضاء لزائريها تجربة فريدة حيث يمكن استكشاف تاريخ المغرب العريق من خلال المواقع الأثرية والمتاحف، بالإضافة إلى الاستمتاع بالمنتجعات الساحلية والأسواق الحديثة. كما تتيح المدينة فرصا متنوعة للأعمال والثقافة، جاذبة بذلك المستثمرين والزوار من جميع أنحاء العالم. تساهم هذه الخصائص في جعل الدار البيضاء مقصدا مغريا للسياح الباحثين عن الغنى الثقافي والفرص الاقتصادية.

إضافة إلى ذلك، تلعب السياحة دورا محوريا في اقتصاد المدينة، حيث تسهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي من خلال جذب السياح والمستثمرين، الأمر الذي يعزز من مكانة الدار البيضاء كواحدة من الوجهات الرئيسية في شمال إفريقيا.

المعالم السياحية الرئيسية

حي الأحباس

شيد حي الأحباس في فترة الحماية الفرنسِية بالدار البيضاء، وذلك للقضاء على مدن الصفيح التي نمت في أطراف المدينة. يعد هذا الحي من أبرز المعالم السياحية في الدار البيضاء، وهو يتميز بأنه مرْكز ثقافي وحضاري.

يتفرد بتصميمه المعماري الذي يجمع بين الأقواس والبناء الذي يستلهم من الهندسة العربية والإسلامية، مع لمسات من الهندسة الغربية والأوروبية التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، مما يجعله وجهة جذابة للزوار المهتمين بالتاريخ والثقافة.

محكمة الباشا

تُعتبر محكمة الباشا واحدة من المعالم المعمارية البارزة في الدار البيضاء. تم تأسيسها في يناير 1930 بواسطة الباشا الطيب المقري، وصممها المهندس المعماري أغوست كاداي. تم بناء المحكمة خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استخدمت مواد بناء تقليدية بالرغم من نقص مواد البناء الحديثة مثل الأسمنت والحديد.

تتميز المحكمة بمعمارها التقليدي المغربي-العربي-الأندلسي، مع عناصر فنية مثل خشب الأرز من الأطلس المتوسط، الجبس المنقوش، وقطع الزليج اللامعة والملونة، وفناء داخلي بأسلوب الرياض المغربي-الأندلسي.

موروكو مول

يعد موروكو مول اكبر مجمع تجاري في المغرب وأفريقيا ويقع على كورنيش الدار البيضاء. بني المجمع في أربع سنوات بدءا من عام 2007 وافتتح رسميا في ديسمبر 2011. يعتبر من أجمل مراكز التسوق في العالم، مع مساحة إجمالية تبلغ 190 ألف متر مربع تضم مناطق ترفيهية، مطاعم، وعلامات تجارية عالمية.

في عام 2012، حصل موروكو مول على جائزة من السوق الدولية للمهنيين العقاريين بمدينة كان. تتضمن معروضاته متاجر مثل مرجان وفناك وغاليري لافاييت، ويحتوي على مناطق ترفيه متنوعة مثل حديقة أدفينتشرلاند، ثالث أَكبر حوض مائي في العالم، ورابع أكبر نافورة موسيقية في العالم، وحلبة للتزلج على الجليد.

شارع محمد الخامس

يعد شارع محمد الخامس من أبرز الشوارع في الدار البيضاء، حيث يمتد على مسافة كيلومترين مزينا بالعمارة الفرنسية الأنيقة التي تجمع بين اللمسة الفنية الأصيلة والديكورات العصرية. يتميز الشارع بواجهاته الراقية التي تشهد على فترة تاريخية غنية بالأحداث، خاصة خلال الفترة بين الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ما يجعله نقطة جذب سياحي مميزة في المدينة.

المدينة القديمة وتاريخها

المدينة القديمة

المدينة القديمة في الدار البيضاء تمثل جوهر التاريخ والثقافة المغربية. بنيت أسوار المدينة حَول الدار البيضاء القَديمة في سنة 1770 بدعم من السّلطان سيدي محمد بن عبد الله، وتعد الصقالة رمزا لحكمه. هذا المعقل الذي تم تجديده مؤخرا وتحويله إلى مطعم يقدم مناظر بانورامية مطلة على المدينة والميناء، يعتبر من المعالم السياحية الكبرى في المدِينة القديمة.

يحمي المعقل رصيف اصطناعي يبلغ طوله 3180 متر، تم بناؤه في أوائل القَرن العشرين. منارة الحنك، التي بنيت في عام 1920، تسهل الوصول إلى الميناء وتعكس النجاح الاقتصادي للمدينة.

يحيط بالمدينة العتيقة سور قديم يتخلله عدة أبواب كانت تستخدم للحماية والتنظيم. وفقا للتوثيق التاريخي، تشتمل هذه الأبواب على باب الكبير، باب الجديد، باب مراكش، باب القباص، باب القديم، باب المرسى، باب السقالة، وباب الرخى.

تتميز هذه الأبواب بوجود بنية عمرانية معقدة، حيث يوجد باب كبير في المركز محاط ببابين صغيرين من اليمين والشمال. كان لهذه الأبواب حراس معروفين بـ “البراح”، الذي كان ينادي على السكان قبل أذان المغرب لتنبيههم بضرورة الدخول قبل إغلاق الأبواب، مع ترك باب صغير مفتوح للمتأخرين.

برج الساعة

برج الساعة، الذي أمر بتشييده القائد الفرنسي دَسيني من كتيبة المشاة رقم 138E في الجيش الفرنسي، تم بناؤه في وسط ساحة الأمم المتحدة (سابقا ساحة فرنسا) واكتمل عام 1908، قبل معاهدة فاس التي فرضت الحماية الفَرنسية على المغرب عام 1912.

يعد البرج رمزا للنفوذ الفرنسي والنظام الجديد في ذلك الوقت. انهار البرج عام 1948 بسبب هشاشته، ثم أعيد بناؤه في التسعينيات بتصميم مشابه للأصلي، لكن بالقرب من جدران المدينة اَلقديمة.

السقالة

السقالة، وهي حصن يقع خلف الجدار الشمالي الغربي للمدينة الْقديمة بالدار البيضاء، تعد شاهدا على الهندسة المعمارية التاريخية. يحيط بها “الزاوية الدرقاوية” وضريح “سيدي علال القرواني”. يعود تشييدها إلى السلطان سيدي محمد بن عبد الله وخضعت لعدة ترميمات تحت حكم السلطان مولاي يوسف في عام 1913.

تطل مباشرة على مينَاء الدار البيضاء وتلعب دورا هاما في حماية المدينة من الغزوات الأجنبية. تم تصنيف السقالة كتراث إنساني من طرف اليونسكو وتحولت مؤخرا إلى مطعم يقدم تجربة ثقافية غنية لزواره.

مسجد الحسن الثاني ومعالم دينية أخرى

مسجد الحسن الثاني

مسجد الحسن الثاني، الواقع على ساحل مدينة الدار البيضاء، يعد أكبَر مسجد في المغرب ويحتل المرتبة السابعة عالميا من حيث الحجم. مئذنته، التي تتسم بطابع أندلسي، ترتفع إلى 210 مترا وهي ثاني أعلى بناية دينية في العالم. صممت المئذنة بأسلوب معماري مغربي-أندلسي، وتزينها رخام يغطيها ومنارة مع جامور بثلاث تفافيح نحاسية.

يشد الانتباه ليلا بشعاع ليزر يمتد من قمتها نحو الكعبة المشرفة ليدل على اتجاه القبلة، بمدى يصل إلى 30 كم. الزخارف المنقوشة على واجهتها الرخامية وألواح الزليج المزينة باللونين الأبيض والأخضر ترمز لألوان السلم والحياة.

جامع ولد الحمراء

جامع ولد الحمراء يقع في المدينة اَلقديمة للدار البيضاء بالقرب من باب المرسى. يعود بناء هذا المسجد التاريخي إلى القرن الثامن عشر، ويعتبر من المعالم الدينية الهامة التي يؤدي فيها الملك محمد السادس صلاة الجمعة.

المسجد الذي بني سنة 1783 ميلادية من طرف ولد الحمراء من قبيلة أولاد محمد، يتميز بمعماره الموريسكي العربي الشبيه بالمساجد التونسية. يشغل المسجد مساحة 1200 متر مربع وخضع لعدة توسعات وتهيئات، آخرها كانت في العقد الأخير بدعم من المحسنين.

جامع الشلوح

جامع الشلوح، الموجود في زنقة الشلوح بالمدينة القديمَة للدار البيضاء، يعتبر أيضا من المعالم الثقافية والدينية المهمة في المدينة. بني هذا المسجد خلال القرن الثامن عشر في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله وكان يعرف في البداية باسم جامع الكرمة.

المسجد، الذي يحتوي على ميزات معمارية موريسكية عربية، تم توسعته وتهيئته في عدة مراحل، وآخرها كانت تحت رعاية الملك محمد السادس. يستقطب جامع الشلوح زوارا يعشقون التاريخ والعمارة الإسلامية المغربية الأصيلة.

كنيسة القلب المقدس

كنيسة القلب المقدس، التي تَقع في قلب الدار البيضاء، أنشئت في عام 1930 وتعتبر واحدة من أبرز الأمثلة على العمارة النيو-قوطية في المدينة. على الرغم من كونها معروفة بشكل غير دقيق باسم “كاتدرائية الدار البيضاء”، إلا أنها لم تكن أبدا كاتدرائية بالمعنى الكلاسيكي حيث لم يقم فيها أسقف.

بعد استقلال المغرب في 1956 وتقلص الجالية الأوروبية، تحولت الكنيسة من مكان للعبادة إلى مَركز ثقافي يحافظ على رونقه الأوروبي ويستضيف فعاليات متنوعة تعزز التبادل الثقافي.

كاتدرائية سيدة لورد

كاتدرائية سيدة لورد، التي تم تشييدها في عام 1954، هي واحدة من الكنائس الرومانية الكاثوليكية المهمة في الدار البيضاء. صممها المعماري آشيل دانجيلتري والمهندس بول زيمر، وهي تمثل الأسلوب المعماري الحديث لمنتصف القرن العِشرين. تخضع الكاتدرائية للأبرشية الرومانية الكاثوليكية في الرباط وتعتبر معلما دينيا بارزا يتميز بتصميمه المعماري الفريد.

معبد بيت إيل

معبد بيت إيل، واحد من أَكبر المعابد اليهودية في الدار البيضاء وكل المغرب. يشكل المعبد حجر الزاوية للمجتمع اليهودي الذي كان يزدهر في المدينة. تم ترميم المعبد بالكامل في عام 1997، وهو يجذب الزوار ليس فقط بسبب أهميته الدينية بل أيضا بفضل تصميمه الفني الرائع، بما في ذلك نوافذ الزجاج المعشق التي تحمل أسلوب مارك شاغال.

يعتبر معبد بيت إيل رمزا للتراث الثقافي والديني اليهودي في الدار البيضاء، ويعد مكانا مثيرا للاهتمام لأي زائر يبحث عن فهم أعمق لتاريخ المدينة وتنوعها الثقافي.

مسجد القدس

مسجد القدس، الواقع في حي الصخور السوداء بالدار البيضاء، يحمل قصة تحول فريدة من نوعها؛ فقد كان في الأصل كنيسة تحمل اسم كنيسة القديسة مارغريتا، بنيت عام 1920 من قِبل الفرنسي أوجين لوندغا، وقد تم تصميمها لتشابه كنيسة القديس مارتن دا پاو في فرنسا، التي تم إنشاؤها عام 1868.

تظهر الكنيسة تقدير لوندغا لوالدته مارغريتا، الذي سماها باسمها تكريما لها. تم تحويل هذه الكنيسة إلى مسجد في عام 1981 في إطار سياسات المغربة التي شهدت هجرة الأوروبيين وخروجهم من المغرب.

مسجد المحمدي

مسجد المحمدي، الذي يقع في حي الحبوس بالدار البيضاء، بني في حوالي عام 1935، وقد تكفل ببنائه السلطَان محمد الخامِس وسمي المسجد على اسمه. بدئ بناء المسجد في 29 يونيو 1934 وافتتح رسميا بعد عامين. صمم المسجد من قِبل المهندسين المعماريين أوغست كادي وإدموند بريون، اللذين شاركا أيضا في تصميم المباني الأخرى في حي الحبوس.

يتبع المسجد العمارة الإسلامية المغربية التقليدية مع بعض التفاصيل المستوحاة من جامع القرويين في فاس. تبلغ مساحته حوالي 3600 متر مربع ويستوعب حتى 8000 مصل. خضع المسجد لترميم كبير في عام 2007، مما عزز مكانته كرمز ديني وثقافي في المدينة.

مسجد اليوسفي

المسجد اليوسفي، الذي تم تدشينه في عام 1923 بأمر من السُلطان الذي يحمل المسجد اسمه مولاي يوسف، يقع أيضا في حي الأحباس. يتميز بصومعته الجميلة التي تذكر بصومعة مسجد الكتبية في مراكش، ما يعكس الأسلوب المعماري في عهد الموحدين. تبلغ مساحته 1156 متر مربع، ويستوعب حوالي ألفي مصل.

يشكل المسجد اليوسفي جزءا لا يتجزأ من النسيج الروحي والثقافي للدار البيضاء، وهو يعد من الأماكن المفضلة لأداء صلاة الجمعة، بما في ذلك لأمير المؤمنين في عدة مناسبات. تضفي الزخارف والصناعة التقليدية المغربية على المسجد جمالا ورونقا يعكسان غنى الثقافة المغربية.

حدائق وساحات المدينة الجذابة

حديقة الجامعة العربية

حديقة الجامعة العربية، واحة خضراء في قلب الدار البيضاء، تُعتبر من أبرز المناطق العامة في المدينة ومكانا مفضلا للتنزه والاسترخاء للسكان المحليين والزوار على حد سواء. تحتل موقعا مميزا وسط المدينة، وقد شهدت على مر السنين تحولات كبيرة.

في الأصل، كانت الموقع لسجن برتغالي يعود إلى القرن الخَامس عشر يعرف باسم “سجن آنفا”. أعيد استخدام أقواس هذا السجن القديم لتزيين الحديقة، وهي لا تزال قائمة حتى اليوم، مضيفة عنصرا تاريخيا مهما إلى جمال الحديقة.

في عام 1913، أعيد تصميم الحديقة بواسطة المهندس المعماري الفرنسي ألبيغ لاپراد تحت إشراف أنغي پغوست، وسميت حينها بحديقة ليوطي تكريما لهوبير ليوطي، المقيم العام الفرنسي آنذاك.

خضعت الحديقة لعملية تهيئة شاملة بين عامي 2016 و2021 بتكلفة 100 مليون درهم، مما أضاف مسارات رياضية ومرافق للألعاب ومقاهٍ وأكشاك ومرافق صحية. تم افتتاحها رسميا في مايو 2021، لتصبح من جديد مركزا للحياة العامة والاستجمام في الدار البيضاء.

ساحة الأمم المتحدة

ساحة الأمم المتحدة، واحدة من الميادين العامة الرئيسية في الدار البيضاء، تقَع في قلب المدينة. في الأصل، كانت موقعا لسوق كبير خارج أسوار المدينة قبل الاستعمار. شيد برج الساعة في الساحة عام 1908، وكان يعد رمزا للحضور الفرنسي وسميت الساحة حينها بساحة الساعة ثم بساحة فرنسا.

اليوم، تعد ساحة الأمم المتحدة نقطة التقاء للسكان والزوار، وتقام فيها العديد من الفعاليات الثقافية والاحتفالية. كما تضم محطة مهمة للترامواي، مما يجعلها نقطة محورية في النقل العام بالمدينة.

ساحة الرشيدي

ساحة الرشيدي، التي تقع في قلب اَلمدينة، تُعتبر منتزها حيويا يجمع بين الجمال الطبيعي والمرافق الترفيهية الحديثة. تم إعادة تطوير الساحة مؤخرا لتوفر مساحة كبيرة تصل إلى 18000 متر مربع، مما يسمح بإجراء الأنشطة الخارجية المتنوعة. تحتوي الساحة على اكبر مرافق للتزلج على الألواح في الدار البيضاء، مما يجعلها مقصداً للشباب والرياضيين الذين يبحثون عن تجربة فريدة في قلب المدينة.

ساحة محمد الخامس

ساحة محمد الخامس، المعروفة أيضا بأسماء عديدة عبر التاريخ مثل ساحة الحمام، ساحة فرنسا، وساحة النصر، تعتَبر قلب الدار البيضاء النابض. تم إنشاؤها في عام 1916 خلال فترة الاستعمار الفرنسي بتصميم جوزيف مراست وتحت إشراف هنري بروست. هذه الساحة شهدت العديد من الأحداث التاريخية وتحولت إلى مَركز إداري وثقافي مهم في المدينة.

تحيط بالساحة مبانٍ ذات أهمية كبيرة مثل المحكمة، مقر الولاية، وبنك المغرب، مما يعكس أهميتها الإدارية والمالية. تتميز المباني بالأسلوب المعماري المغربي الجديد، الذي يجمع بين التقاليد المغربية ولمسات من العمارة الفرنسية، ما يعطي الساحة طابعا فريدا وجذابا.

بالقرب من ساحة محمد اَلخامس تقع حديقة جامعة الدول العربية، وكنيسة القلب المقدس التي تحولت الآن إلى مَركز ثقافي، بالإضافة إلى منتزه سندباد، أول حديقة ملاهي في المغرب والتي تعْتبر من أبرز الوجهات الترفيهية في المدينة.

منتزه سندباد

منتزه سندباد، المنتزه الأول من نوعه في المغرب، يقع على مساحة 32 هكتارا ويعتبر من الأماكن السياحية الرئيسية في الدار البيضاء. يضم المنتزه أكثر من 20 منطقة جذب، ويوفر مجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية لجميع الأعمار، بما في ذلك ألعاب الأطفال، مناطق الجذب الرياضية، ومجموعة متنوعة من المطاعم والمقاهي.

المنتزه معروف بتنوعه الكبير من الحيوانات والنباتات، مما يجعله موقعا مثاليا للتعليم البيئي والتواصل مع الطبيعة. كما يوفر المنتزه مساحات خضراء واسعة تسمح بالاسترخاء والتمتع بالجمال الطبيعي، مما يجعله وجهة مفضلة للعائلات والزوار الباحثين عن الاستجمام في بيئة هادئة وجذابة.

المنتزه البحري لمسجد الحسن الثاني

المنتزه البحري لمسجد الحسن الثاني، مشروع تم تصميمه ليكون مساحة عامة تفاعلية تسهم في تحسين نوعية الحياة في الدار البيضاء وتعزيز الجاذبية السياحية للمدينة. يمتد المنتزه على مسافة 1.5 كيلومتر على الساحل، مما يوفر منظرا خلابا للمحيط وفرصة للتنزه والاستمتاع بالجمال الطبيعي.

يشمل المنتزه مرافق متعددة مثل أكشاك للوجبات الخفيفة، مراكز للشرطة والإسعافات الأولية، محلات تجارية، ومناطق مخصصة للرياضة والأنشطة الثقافية. تم تصميم المنتزه ليكون مكانا للتجمع والترفيه، مما يعكس التزام المدينة بتوفير فضاءات عامة تخدم السكان والزوار على حد سواء.

منتزه البحري يضم جميع المرافق الترفيهية:

  • طول/مساحة:1.5 كلم /13 هكتار
  • أكشاك: 6
  • أكشاك للوجبات الخفيفة: 03
  • مرافق صحية: 8
  • مركز الشرطة
  • مركز الاسعافات الأولية
  • محلات: 7

الاقتصاد والبنية التحتية

النقل والمواصلات في الدار البيضاء

ترامواي الدار البيضاء

يشكل ترامواي الدار البيضاء جزءا أساسيا من مخطط التنمية المتكامل لـ”منطقة الدار البيضاء الكبرى”. يهدف هذا المشروع إلى إحداث توازن بين مختلف مناطق المدينة ودمج الأحياء الهامشية بالديناميكيات الاقتصَادية والاجتماعية للمدينة، وتقديم وسيلة نقل عامة نظيفة وصديقة للبيئة.

انطلقت أعمال بناء ترامواي الدار البيضاء في مارس 2011، بناء على دراسات حول التنقل الحضري أظهرت أن النقل العمومي يمثل 30% فقط من وسائل النقل المستخدمة في المدينة. وقد تراجعت نسبة النقل الجماعي بالحافلات من 18% في 1975 إلى 13% في 2004، بينما ارتفع استخدام سيارات الأجرة من 1% إلى 15%، وزادت نسبة المشي من 51% إلى 53% في نفس الفترة.

يعتبر هذا المشروع حيويا لتحسين خدمات النقل الحضري ولإعادة تقييم المواقع التاريخية في الجهة، وهو يعكس الجهود المبذولة لتعزيز البنية التحتية للمدينة.

حافلات النقل العمومي

حافلات النقل العمومي تمثل العمود الفقري لنظام النقل بالمدينة، حيث تتولى أكثر من عشر شركات تشغيل خطوط الحافلات التي تغطي الضواحي والمناطق الحضرية. تم تجهيز هذه الحافلات بتسهيلات مثل الإنترنت المجاني والكراسي المريحة لتعزيز تجربة الركاب. التطورات الأخيرة شملت توسيع شبكة الحافلات لتشمل مناطق أوسع، مما يحسن الخدمة ويجعل الوصول إلى المدينة أسهل للجميع.

سيارات الأجرة

تعتَبر سيارات الأجرة وسيلة نقل رئيسية في الدار البيضاء، وتنقسم إلى نوعين: البتِيت تاكسي باللون الأحمر والجراند تاكسي باللون الأبيض. سيارات الأجرة الصغيرة، مثل داسيا وبيجو، مخصصة للتنقل داخل المناطق الحضرية وتستوعب حتى ثلاثة ركاب ولا تذهب إلى المطار. يضاف رسم إضافي قدره 20% في المساء.

أما سيارات الأجرة الكبيرة فتعمل كميني باصات تنقل الركاب داخل المدينة عبر طرق محددة وتسع لستة ركاب، كما توفر خدمات النقل بين المُدن. يمكن تأجير هذه السيارات قبل الاستخدام بساعة أو يوم.

الاقتصاد المحلي والقطاعات الرئيسية

الدار البيضاء تشكل القاطرة الرئيسية للاقتصاد المغربي، حيث تُعْتَبَر القلب النابض للنشاطات الاقتصادِية والصناعية في البلاد.

الصناعة والإنتاج

الدار البيضاء تستحوذ على أكثر من ثلث المؤسسات الصناعية في المغرب، بنسبة تصل إلى ٪55 من الوحدات الإنتاجية وحوالي ٪60 من القوى العاملة الصناعية. المدينة تساهم ب٪50 من القيمة المضافة للاقتصاد المغربي، وتجذب ٪48 من الاستثمارات الكلية. الدار البيضاء تستهلك أيضاً ٪35 من الاستهلاك الوطني للكهرباء، وتستخدم 1.231 مليون طن من الأسمنت سنوياً.

التجارة والمواصلات

موانئ الدار البيضاء والمحمدية تشكلان مركزا حيويا للتجارة الخارجية بنسبة تصل إلى ٪55 من إجمالي التجارة الخارجية للمغرب. مطار الدار البيضاء يستقبل ٪51 من حركة الركاب في البلاد، مما يعكس أهميته كمركز رئيسي للنقل الجوي.

القطاع المالي

الدار البيضاء تُعتبر المركز المالي الرئيسي للمغرب والمغرب العربي، حيث تضم مقرات العديد من الشركات المحلية والدولية. بورصة اَلدار البيضاء تحتل مكانة مرموقة إقليميا وعالميا، حيث تعد الأولى في المغرب العربي والثالثة في أفريقيا بعد بورصتي جوهانسبورغ والقاهرة، والثالثة في العالم العربي بعد بورصة الرياض وبورصة القاهرة، بقيمة سوقية تقدر بحوالي 60 مليار دولار.

الثروة والعقارات

في سبتمبر 2018، تم تقدير ثروة الدار البيضاء بحوالي 42 مليار دولار. وفقا لتقرير Africa Wealth 2018، تم تصنيف الدار البيضاء كتاسع أغنى مدينة في أفريقيا. الأسعار العقارية في المدينة تعكس هذه الثروة، حيث يبلغ متوسط سعر المتر المربع حوالي 1500 دولار، مما يدل على الطلب العالي والتقدير الكبير للعقارات في هذه المنطقة.

بورصة الدار البيضاء والقطب المالي للدار البيضاء

بورصة الدار البيضاء

بُورصة الدار البيضاء هي محور النشاط المالي في المغرب وتعتبر الأولى مغاربيا والثالثة عربيا من حيث القيمة السوقية التي تتجاوز الـ 90 مليار دولار. تأسست في سنة 1929 تحت اسم “مكتب مقاصة القيم المنقولة” وخضعت لعدة تطورات هيكلية وتشغيلية عبر الزمن.

تعمل البورصة تحت إشراف وزارة الاقتصاد والمالية، وتشهد نموا مستمرا في عدد الشركات المدرجة بها، ما يدل على تزايد أهميتها وتأثيرها في الاقتصاد المحلي والإقليمي.

القطب المالي للدار البيضاء

القطب المالي للدار البيضاء يعد مركزا اقتصاديا وماليا مهما، يقع في مفترق الطرق بين القارات. يعتبر الأول في إفريقيا ويشكل شريكا لأكبر المراكز المالية العالمية. يجذب القطب العديد من الشركات المالية، المقرات الإقليمية للشركات متعددة الجنسيات، مقدمي الخدمات، والشركات القابضة، ويقدم لأعضائه حوافز وإمتيازات لتسهيل الأعمال والوصول إلى السوق الإفريقية.

القطب يضم أكثر من 200 شركة تعمل في أكثر من 50 دولة إفريقية وينظم لقاءات دورية لتعزيز التواصل بين الأعضاء وتبادل الخبرات. الشراكات الدولية مع 19 دولة إفريقية توفر للأعضاء المعلومات اللازمة لاستغلال فرص النمو وتبسيط الإجراءات الإدارية.

تأسس القطب المالي بموجب قانون المغربي 44-10 في 13 ديسمبر 2010، ويعمل على تعزيز الاستثمارات والنمو الاقتصادي في الدار البيضاء وما وراءها، مع التركيز على الابتكار والتحديث في الاقتصاد المغربي والإفريقي.

ميناء الدار البيضاء ودوره الاقتصادي

ميناء الدار البيضاء، بوصفه الأكبر في المغرب، يمثل عقدة مهمة في شبكة التجارة الدولية والمحلية. يمتد على مساحة تزيد عن 520 هكتار ويشمل أكثر من 8 كيلومترات من الأرصفة، مما يمكنه من استقبال ومعالجة أنشطة 40 سفينة في آن واحد، ما يعكس قدرته الكبيرة وأهميته الاستراتيجية.

وظائف الميناء

الميناء متعدد الوظائف، حيث يضم:

  • ميناء تجاري: يعالج الواردات والصادرات المختلفة.
  • ميناء للصيد: مخصص لدعم صناعة الصيد المحلية.
  • مارينا: توفر خدمات لليخوت والقوارب الخاصة.
  • مرافق لبناء وإصلاح السفن: تشمل أحواض لتجفيف وإعادة إطلاق السفن إلى الماء.

الموقع الجغرافي

يقع الميناء في قلب الساحل الأطلسي للمغرب، بين رأسي العنق غربا وعكاشة شرقا، في منطقة مينائية محمية نسبيا. يرتبط بالمدينة عبر شوارع رئيسية تؤدي إلى خمس بوابات للميناء التجاري، مما يسهل الوصول والتوزيع.

الاتصال بشبكات النقل

الميناء مزود بشبكة سكك حديدية تابعة للمكتب الوطني للسكك الحديدية، تمتد لمسافة 17,410 متر على طول سياج الميناء، مما يعزز كفاءة النقل والتوزيع اللوجستي.

الأهمية الاقتصادية

مِيناء الدار البيضاء يسهم بشكل كبير في الاقتصاد المغربي من خلال دوره الرئيسي في التجارة الخارجية واستقطاب الاستثمارات. يعد نقطة انطلاق للتصدير والاستيراد عبر القارات، مما يعزز من مكانة المغرب كمركز تجاري مهم في المنطقة.

الثقافة والفنون

الأدب والموسيقى المحلية

الأدب

الدار البيضاء، مدينَة ذات ثراء أدبي، شهدت أحداث عديدة تم تصويرها في الأدب المغربي والعالمي. من أبرز الأعمال الأدبية، رواية “الماضي البسيط” للروائي إدريس الشرايبي التي جرت أحداثها في هذه المدينة. كما كان الروائي محمد زفزاف، أحد أبرز الكتاب المغاربة، يقيم في حي المعاريف. كل عام، تستضيف المدينة المعرض الدولي للنشر والكتاب، مما يجعلها مركزا هاما للثقافة والأدب في المغرب.

الموسيقى

تُعتبر الدار البيضاء مهدا لعدة حركات موسيقية مؤثرة. فرقة ناس الغيوان، التي أسسها العربي باطما، نشأت هنا وكان لها تأثير كبير في الموسيقى المغربية والعربية. هوبا هوبا سبيريت، واحدة من فرق الروك المغربية البارزة، تشكلت أيضا في الدار البيضاء ولا تزال تتخذ منها مقرا لها. الفنان عصام، وهو مغني راب معروف بأسلوبه في التراب المدمج، ينحدر من درب اَلسلطان بالمدينة. الدار البيضاء تستضيف أيضا مهرجانات موسيقية كبيرة مثل مهرجان لبولفار وجازابلانكا. دار الآلة، متحف ومعهد موسيقي، يكرس للموسيقى الأندلسية ويقع في حي الأحباس.

الفن

مدرسة الدار البيضاء، حركة فنية حداثية، نشأت من مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء في أواخر الستينيات. لوزين، فضاء ثقافي فني في المدينة ، يقدم مجموعة من الفعاليات والأنشطة الفنية. الدليل البيضاوي، قصة مصورة من إنتاج ريبيل سبيريت، تعكس الثقافة المحلية. صباغة باغة، مهرجان فن الشارع، يزين خلاله فنانو الغرافيتي مباني الدار البيضاء.

التصوير

مارسلان فلاندرين، مصور عسكري فرنسي، استقر في الدار البيضاء ووثق الكثير من بدايات الفترة الاستعمارية في المغرب بالصور. كان له دور بارز في نشر الصورة الاستشراقية للنساء المغربيات. يورياس، من أبرز المصورين الناشطين في العاصمة الاقتصادية، والتي تتميز بمشهد تصوير شارع مزدهر.

تأثير الفيلم الشهير كازابلانكا على الثقافة

كازبلانكا (Casablanca) هو فيلم رومانسي أنتج عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية، وقد تم تصويره بمدينة الدار البيضاء. الفيلم من إخراج مايكل كورتيز ويضم نجوما مثل همفري بوغارت في دور ريك بلين وإنغريد بيرغمان في دور إيلسا لوند.

تعتبَر الدّار البيضاء في الفيلم بوابة الفرار من أوروبا المحتلة إلى الأمريكتين، حيث يسعى اللاجئون للحصول على تأشيرات باهظة الثمن عبر طرق شرعية أو السوق السوداء. تم تقديم الدار البيضاء كمكان يجتمع فيه اليائسون والباحثون عن الحرية.

ريك بلين، الشخصية التي أداها همفري بوغارت، يمتلك “مقهى ريك الأمريكي” وهو مكان يرتاده كل من لديه قصة. الفيلم لا يكشف تفاصيل لماذا لا يستطيع ريك العودة إلى الولايات المتحدة، لكن يُلمح إلى ماضٍ مضطرب. ريك، رغم تورطه في تجارة السوق السوداء، يحافظ على حياده في الأزمات السياسية.

في نهاية الفيلم، تتكشف الأحداث عندما تحاول إلسا الحصول على وثائق سفر لزوجها فيكتور لازلو، الزعيم في المقاومة ضد النازيين، مما يدفع ريك لاتخاذ قرارات تغير مجرى حياته وحياة الآخرين.

الفيلم حاز على ثلاث جوائز أوسكار شملت جائزة أفضل فيلم، أفضل مخرج، وأفضل سيناريو، مؤكدا على أهميته الثقافية والفنية. تأثير فيلم “كازا بلانكا” لا يقتصر على ترسيخ صورة الدار البيضاء ـ كمدينة أسطورية في الثقافة الشعبية، بل أيضا كرمز للأمل والحرية خلال أوقات اليأس، مما يبرز العمق الثقافي والتاريخي للفيلم والمدينة على حد سواء.

الهندسة المعمارية وأبرز الأمثلة

سنوات العشرينات “سمة السنوات الأولى للحماية”

ساعدت سمعة الدار البيضاء كمدينة حديثة في استقطاب مهندسين معماريين من جنسيات متنوعة خلال العشرينيات، حيث سجلت المدينة نموا في عدَد المهندسين المعماريين أكثر من ثلاث مرات مقارنة بتونس. رغم تنوع جنسياتهم، ظل تأثير الفن التقليدي المغربي بارزا في تصاميمهم، حيث أدى دمج الفنون التجميلية المغربية مع الفنون الحديثة إلى ولادة نمط معماري جديد ميز العقد.

واجهات العمارات التي تميزت بتعددية جمالية، تضمنت زخارف مثل أطباق الفواكه ورؤوس الأسود، ممتزجة بالزليج ومسحوق الرخام وشرفات خشب الأرز المنقوش.

سنوات الثلاثينات “الطريقة الموريسكية”

شهدت الثلاثينات تغيرات تمثلت في التركيز على الرفاهية والعصرنة، مما أدى إلى زوال الطريقة الموريسكية. المعماريون الجدد، المتأثرون بنظريات عصرية من مدرسة الفنون الجميلة بباريس، أبدلوا التزيين التقليدي بتصاميم تركز على الأحجام لتحسين استغلال المساحة.

العمارات الفخمة بوسط المَدينة، المجهزة بالمصاعد وأماكن لرمي النفايات، باتت تحمل أسماء مصمميها وأصبحت مرجعية معمارية ضمن معالم “المدينة الجديدة”. مهارات المعماريين برزت في الفيلات التي جربوا فيها آخر اكتشافاتهم في مجال السكن والراحة، مما أكسب الدار البيضاء سمعة كعاصمة للمعمار العصري.

أمثلة بارزة في الهندسة المعمارية

  • عمارة Levy Bendayon: بناها Marius Boyer في عام 1928 وتعد تجسيدا للحركة العصرية التي طغت على سنوات الثلاثينات، ممثلة طابعاً مميزاً لمعمار الدار البيضاء الحديث.
  • عمارة Moretti-Milone: تتكون من إحدى عشر طابقا، بناها Jabin Piere، وتقع في ساحة الأمم المتحدة، وتمثل بداية لمرحلة البنايات العالية في عام 1934 بمركز المدِينة، حيث تركز الجمالية العمارية ليست فقط على الواجهة ولكن أيضا على التجهيزات الداخلية.

سنوات الخمسينات

خلال الخمسينيات، شهدت الدار البيضاء فترة رخاء اقتصادي ساهم في تطور المعمار ليواكب ذوق البرجوازية المحلية المتأثرة بالثقافة الأمريكية. البرجوازية اختارت فيلات تحمل البصمات الكاليفورنية، وهذه الفيلات أظهرت جرأة معمارية جديدة وإبداع في الأشكال الهندسية.

رغم التنوع في الأشكال الفنية، الاختيارات المعمارية اختلفت وفق الطبقات الاجتماعية؛ حيث البرجوازية الثرية أعجبت بالتصاميم الحديثة، بينما البرجوازية الصغيرة اختارت فيلات بطابع يجمع بين خطوط معمار جنوب فرنسا.

في عام 1950، قدم إيكوشار وفريقه مفهوم “السكن للأغلبية”، مما أدى إلى تنفيذ برامج للسكن تخدم مختلف المجتمعات بالمدينة، من المسلمين واليهود إلى الأوروبيين. تضمنت البرامج تطوير حي كريان سنطرال وحي العنق، والذي خصص لإعادة إسكان 18000 يهودي مغربي من المدينة القدِيمة.

كذلك، سنوات الخمسينات شهدت تنامي وسائل الترفيه مثل النوادي الخاصة ودور السينما، مثل سينما لوتيسيا التي بنيت في عام 1950، وتطوير محطات الخدمة والمرائب كمرآب فولفو الذي يمثل نمطا معماريا فريدا. وبعد الاستقلال، تواصلت هذه الثقافة المعمارية حتى الثمانينيات، مع ظهور أشكال معمارية عصرية.

أمثلة بارزة في الهندسة المعمارية

  • فيلا سامي سويسة Sami Suissa: تمثل نمط العمارة الأكثر عصرية بعد الحرب، بُنيت هذه الفيلا في عام 1947 من قبل جان فرنسواز زفاكو واعتبرت ثورة في المدينة وأصبحت موضوعا للعديد من المجلات المعمارية العالمية.
  • عمارة الحرية: بنيت هذه العمارة ذات السبعة عشر طابقا في عام 1949 من قبل ليوناز موراندي، وتعتبر الأولى من نوعها في إفريقيا كعمارة شقق بارتفاع كبير. تقَع هذه العمارة في شارع الزرقطوني وأصبحت واحدة من معالم الدار البيضاء.

تراث معماري مهدد

سجلت مدينة الدار البيضاء ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو بعد تقديم طلب التسجيل في 27 نوفمبر 2013، مما جعلها جزءا من قائمة مواقع التراث العالمي في المغرب. هذا التسجيل يأتي نتيجة رغبة ملحة في إعادة تقييم التراث المعماري والحضري للمدينة كتراث ثقافي إنساني ذو قيمة كونية. تظهر الدار البيضاء مزيجا من التأثيرات العربية والإفريقية مع الكوسموبوليتانية التي طبعت بها منذ بدايات القرن العشْرين.

الدار البيضاء اكتسبت خصوصيتها في القرن العشرين، كونها كانت مأهولة بمزيج من المغاربة المسلمين، اليهود، والأوروبيين من مختلف الجنسيات مثل الإسبان، الإيطاليين، البرتغاليين، الفرنسيين، والأفارقة من جنوب الصحراء. هذا التنوع الثقافي أثرى المدينة بمختلف الأنشطة من الأدباء والصيادين إلى الحرفيين والبنائين.

المدينة تجمع بين التراث القديم والحديث في تنسيق معماري فريد ساهم فيه المهندسون الأوروبيون بشكل بارز. اعتمدوا على طرازي “آر ديكو” و”آر نوفو” مضيفين إليهما زخرفات مغربية تقليدية، مستعملين الزليج والجص ونحت الجص وخشب الأرز، مما أنتج أسلوبا معماريا فريدا.

من المعالم المهددة في الدار البيضاء، بناية “الإكسلسيور” القديمة، وهي واحدة من أهم المقاهي التي كان يقصدها المثقفون البوهيميون. صممت في عام 1916 وتحتفظ بتفاصيل فريدة تعبر عن الماضي، مطلية بالكلس الأبيض ومزينة بالزليج الأندلسي الأخضر. التسجيل ضمن التراث العالمي يهدف إلى حفظ هذا التراث القيم للقرن العشرين.

التوأمة

  • إمارة دبي، الإمارات العربية المتحدة.
  • نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية.
  • شيكاغو، الولايات المتحدة الأمريكية منذ 1982.
  • شانغهاي، جمهورية الصين الشعبية منذ 1986.
  • باريس، فرنسا.
  • أرتفين، تركيا.
  • الإسكندرية، مصر.
  • سوريا – مدينة حلب.
  • مونتريال، كندا.
  • ليبيا – مدينة البيضاء.
  • الجزائر – مدينة الجزائر.
  •  بوردو، فرنسا منذ 1988.

 

الخاتمة

تُعد الدار البيضاء، أكبر مدن المغرب وعاصمته الاقتصادية، نموذجا للتطور الحضري الذي يجمع بين التراث والحداثة. تحيط بها الأسوار التاريخية التي تشهد على ماضيها العريق، بينما يعكس عدد سكانها المتزايد، الذي بلغ ملايين النفوس، الدور المركزي الذي تلعبه في قلب أفريقيا. تعْتبر المدينة القَديمة معقلا للثقافات والتقاليد، مما يجعل الدار البيضاء مركزًا لا يستهان به في خارطة المغرب العصري.

قسم الأسئلة الشائعة (FAQ)

  • كم بلغ عدد سكان الدار البيضاء؟

بلغ عدد سُكان مدِينة الدار البيضاء حوالي 3.359.818 نسمة حسب إحصاء 2014، وتقديرات 2023 تشير إلى أن عدد السكان قد وصل إلى حوالي 4 ملايين نسمة، مما يجعلها واحدة من اكبر مدن أفريقيا من حيث عدد السكان.

  • كم يبلغ عدد سُكان ولاية الدار البيضاء الكبرى؟

حسب آخر إحصاء رسمي لسنة 2014، بلغ عدد سكان ولاية الدار البيضاء الكبرى حوالي 6.800.000 نسمة. تقديرات حديثة لعام 2024 تشير إلى أن عدد سكّان مدينة الدار البيضاء الكبرى قد تجاوز 7 ملايين نسمة.

  • ما هو دور الدار البيضاء في تاريخ المغرب؟

شهدت الدار البيضاء، باعتبارها اكبر مدن المغرب، أحداثا تاريخية هامة لعبت دورا محوريا في مسيرة المغرب نحو الاستقلال.

في عهد حكم السلطان محمد الخامس:

  • مَركز وطني: اتخذ السلطَان محمد الخَامس من الدار البيضاء مركزا لنشاطاته الوطنية بعد عودته من المنفى عام 1955. حيث ألقى خطابا تاريخيا من شرفة القصر الملكي طالبا فيه الاستقلال التام للمغرب.
  • مقاومة الاستعمار: كانت الدار البيضاء بؤرة للعديد من المظاهرات والاحتجاجات ضد الاستعمار الفرنسي. وشهدت المدينة العديد من العمليات الفدائية البطولية التي قام بها المقاومون المغاربة.
  • المفاوضات: احتضنت الدار البيضاء جولات من المفاوضات بين المغرب وفرنسا حَول استقلال البلاد.
المراجع